مواقف السيدة خديجة مع الرسول صلى الله عليه وسلم: دعم وتضحية لا تُنسى
من بين أعظم النساء اللواتي تركن بصمة لا تُنسى في تاريخ الإسلام، تأتي السيدة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها، زوجة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، لتكون أول من آمن برسالته، وأول من وقف بجانبه في أحلك اللحظات وأصعب الأوقات. كانت مواقف السيدة خديجة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثابة أعمدة دعم نفسية وروحية لا تقدر بثمن في فترة الدعوة الأولى التي كانت مليئة بالتحديات والضغوط.
أول لقاء بين خديجة والنبي صلى الله عليه وسلم
كان اللقاء الأول بين السيدة خديجة رضي الله عنها والنبي صلى الله عليه وسلم في سياق التجارة. كانت خديجة تاجرة ذات نفوذ وسُمعة طيبة في مكة، وقد كان لها عمال كثيرون يعملون في تجارتها. وعندما علمت بمصداقية رسول الله صلى الله عليه وسلم، قررت أن تكلفه بمسألة تجارية لها، فأرسلته ليتاجر في قافلة إلى بلاد الشام.
كان محمد صلى الله عليه وسلم آنذاك شابًا في أواخر العشرينات من عمره، مشهورًا بين قومه بالأمانة والصدق، وهو ما جعله موضع ثقة عند السيدة خديجة. ومع الوقت، تفاجأت السيدة خديجة بمقدار النجاح الذي حققه النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الرحلة، فقد عاد أكثر ربحًا من المتوقع، وهذا ما زاد من إعجابها به واهتمامها بشخصيته.
خديجة أول من آمنت بالرسالة
لكن أعمق وأهم المواقف التي سُجلت للسيدة خديجة رضي الله عنها، كانت عندما نزل الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقد كان هذا الحدث نقطة تحول في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وكان في بداية الأمر يحمل علامات القلق والشك. عندما جاءه الوحي في غار حراء، وكان في أول مراته خائفًا ومترددًا، عاد إلى منزله وقد سرت عليه حالة من الخوف والارتباك، وقال: “زملوني، زملوني”.
هنا، كانت السيدة خديجة هي أول من احتضنته بصدور رحب، وأخذت تطمئنه وتؤكد له أنها ستظل معه مهما حدث. قالت له: “كلا، والله لا يخزيك الله أبدًا، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقرئ الضيف، وتعين على نوائب الحق.” كانت كلماتها هذه بمثابة صخرة من الصمود التي جعلت رسول الله صلى الله عليه وسلم يطمئن من جديد.
ثم قررت السيدة خديجة أن تصطحب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ورقة بن نوفل، الذي كان من علماء اليهود والنصارى في ذلك الوقت، ليكون أول من أقر بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم وأخبره بأن هذا هو الوحي الذي كان ينتظره.
موقف السيدة خديجة في دعم الدعوة الإسلامية
بعد بداية الوحي، كانت السيدة خديجة رضي الله عنها تشارك في دعم الدعوة بكل ما أوتيت من قوة. كانت أول من صدق بما نزل على النبي صلى الله عليه وسلم، وأول من آمن برسالته. وبالرغم من الشكوك والاضطهادات التي تعرض لها النبي صلى الله عليه وسلم من قومه، فإن خديجة كانت دائمًا السند الأقوى له. كانت تقف إلى جانبه في جميع المواقف، في الشدة والرخاء.
وفي البداية، تعرض النبي صلى الله عليه وسلم وأتباعه للعديد من الضغوط النفسية والجسدية، بما في ذلك المقاطعة الاقتصادية والاجتماعية. في تلك الفترة العصيبة التي عُرفت “بحصار الشعب”، كانت السيدة خديجة تقف جنبًا إلى جنب مع النبي صلى الله عليه وسلم. رغم الثروات التي كانت تتمتع بها، إلا أنها لم تتردد في التضحية بكل ما تملك من مال وجاه من أجل نصرة الدعوة، ووقفت مع النبي صلى الله عليه وسلم في أصعب لحظات حياته.
خديجة والتضحية العاطفية والمادية
لم تقتصر مواقف السيدة خديجة رضي الله عنها على الدعم العاطفي، بل امتدت أيضًا إلى التضحية المادية التي كانت ذات أثر كبير في استمرار الدعوة الإسلامية. فقد أنفقت مالها الخاص في دعم النبي صلى الله عليه وسلم وأتباعه، وكان لها دور بارز في توفير احتياجات المسلمين في تلك الفترة الصعبة. كان قلبها محبًا للإسلام، وكانت حريصة على تقديم كل ما في وسعها لدعم هذا الدين العظيم.
في تلك الفترة، كان هناك العديد من الضغوط الخارجية، سواء كانت اقتصادية أو اجتماعية، وكانت السيدة خديجة تقدم أموالها وممتلكاتها لتخفيف هذه الضغوط على المسلمين. كانت تضع مالها في خدمة الدعوة بلا حساب، معتبرة أن ذلك أقل ما يمكن أن تقدمه لدين الحق الذي آمنت به.
موقف السيدة خديجة في آخر أيامها
توفيت السيدة خديجة رضي الله عنها في السنة العاشرة من بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، وهو العام الذي سُمي “عام الحزن” بسبب فقده لها وفقده أيضًا لعمّه أبو طالب. كانت وفاة خديجة بمثابة فقد عاطفي كبير للنبي صلى الله عليه وسلم، فقد كانت السيدة خديجة هي أول من آمن به، وأول من دعمه وسانده في بداية الدعوة.
بعد وفاتها، ظل النبي صلى الله عليه وسلم يذكرها بالدعاء، وكان يعتبرها رمزًا للعطاء والدعم الذي لا يُنسى. قال صلى الله عليه وسلم في حقها: “أفضل نسائها مريم بنت عمران، وأفضل نسائها خديجة بنت خويلد.”
خديجة ودورها كأم مثالية
علاوة على ذلك، كانت السيدة خديجة أمًا مثالية لأبناء النبي صلى الله عليه وسلم. وقد أنجبت له من الأولاد: القاسم، وعبد الله، وزينب، ورقية، وأم كلثوم، وفاطمة. ورغم أن السيدة خديجة لم تعش طويلًا بعد بداية الدعوة، إلا أن لها أثرًا عميقًا في تربية هؤلاء الأبناء، وخاصة فاطمة الزهراء، التي كانت لها مكانة خاصة في قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
خديجة في الذاكرة الإسلامية
مواقف السيدة خديجة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت أكثر من مجرد أحداث تاريخية؛ بل هي دروس حية في الوفاء والإيمان والصبر. فالسيدة خديجة كانت نموذجًا للمؤمنة التي قدمت كل ما تملك في سبيل الله ورسوله، ولم تُبدل ولم تُغير في مواقفها. لذلك، فقد أصبحت رمزا للمؤمنة الصادقة التي تقف إلى جانب الحق بكل ما لديها من قوة.
إن السيدة خديجة رضي الله عنها ستظل في ذاكرة المسلمين جيلاً بعد جيل، يذكرونها ويتذكرون تضحياتها العظيمة مع النبي صلى الله عليه وسلم في بداية مسيرة الدعوة الإسلامية.
